تمويل مشاريع مكافحة السرطان هو استثمار اقتصادي بعيد المدى وليس مجرد إنفاق

اتفقت القيادات الصحية والمختصين في المستشفيات والجمعيات الطبية العاملة في مكافحة السرطان على العوائد الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي ستعود على الدول الخليجية بسبب زيادة الاستثمار في الرعاية الصحية، حيث ناقشوا الخطط والاستراتيجيات الضامنة لتحسين الرعاية الصحية لمرضى السرطان، وسبل الوقاية منه. ناقلين خبراتهم الأكاديمية والمهنية وما اكتسبوه خلال عملهم في العديد من الجهات المختصة في دولة الإمارات وتركيا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى خبراء من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

جاء ذلك، ضمن أعمال اليوم الثاني من المؤتمر الخليجي المشترك الخامس للسرطان، الذي شهد افتتاحه في 21 نوفمبر 2022، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وسمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، قرينة صاحبة السمو حاكم الشارقة، الرئيس المؤسِّس لـ”جمعية أصدقاء مرضى السرطان”، في مركز الجواهر للمناسبات والمؤتمرات بالشارقة حيث تستمر أعمال المؤتمر في الفترة ما بين 21 وحتى 23 نوفمبر الجاري، تحت شعار “استمرارية الرعاية الصحية لمكافحة السرطان والتصدي له”.

وتناولت الجلسة التي أدارها الدكتور خالد أحمد الصالح، الأمين العام للاتحاد الخليجي لمكافحة السرطان مختلف العوامل المرتبطة بالكشف والفحص المبكر عن السرطان، حيث ناقش الدكتور الفاتح عبد الرحيم، أخصائي سياسات الصحة والتنمية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتركيا، العائد الاقتصادي للاستثمار في الكشف والفحص المبكر. مشيراً إلى أهمية التمويل السخي لمشاريع الرعاية الصحية التي وصفها بأنها استثمار لا إنفاق، وقال: “هنالك العديد من النواحي التي يجب وضعها في الاعتبار عند الحديث عن مكافحة السرطان، من الوقاية والتوعية مروراً بالعلاج، ولكن لا يمكن لكل هذه الجهود أن تنفذ دون الدعم المالي “.

وأضاف عبد الرحيم: “لقد قمنا بالعمل على إنجاز 6 دراسات مشتركة لاكتشاف التبعات الاقتصادية والاجتماعية للأمراض المزمنة على الدول الخليجية بمشاركة وزارات الصحة ومجلس الصحة لدول مجلس التعاون” مشيراً إلى أنه قد تم تلافي أكثر من 250 ألف حالة وفاة في الدول الخليجية بسبب الإنفاق المتزايد على الرعاية الصحية خلال الـ15 عاماً الماضية. مؤكداً على أن الاقتصادات الناشئة شديدة التأثر بوفيات السرطان التي لا تستثني الشباب، باعتبارهم العصب الحيوي للقوى العاملة.

وفي مسألة التقليل من العبء الاقتصادي لمرض السرطان، ناقش الدكتور مشيب علي عسيري، رئيس المعهد الوطني للأورام بالمملكة العربية السعودية، الإمكانيات التي يمكن أن توفرها عملية الكشف والفحص المبكر في هذا الصدد، مشيراً إلى أن تكاليف مكافحة السرطان تعتبر مرضاً بحد ذاتها، على المستوى الاقتصادي. خاصةً مع زيادة التضخم في تكاليف الرعاية الصحية، حيث قال: “حتى الدول الغنية تعاني من تكلفة علاج السرطان، كالكويت، فما بال الدول النامية”.

رغم ذلك، استعرض عسيري العديد من المشاريع المبشرة بمستقبل أفضل للرعاية الصحية في دول الخليج، مستشهداً بخطة المملكة العربية السعودية لإتاحة الكشف المبكر لجميع سكان المملكة عبر المراكز الصحية الحكومية خلال العامين القادمين، مؤكداً على انخفاض الوفيات من مرض السرطان خلال الفترة من 1991 وحتى 2017 بنسبة 29%، فيما بلغت نسبة التحسن للناجين من السرطان الـ20%، ممن استطاعوا مواصلة حياتهم بعد 5 سنوات من تشخيصهم بالمرض.

بعد ذلك، شاركت في الجلسة الدكتورة إيمان الشامسي، استشاري ورئيس قسم أورام الدم لدى الأطفال بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي أول طبيبة إماراتية تتخصص في هذا المجال، حيث استعرضت الدور الذي يلعبه الكشف والفحص المبكر في تحسين نتائج السرطان وتخفيف الأعباء على المرضى والمؤسسات الطبية على حد سواء. موضحةً الرابط بين زيادة معاناة المريض وارتفاع تكلفة علاجه، كلما تأخرت المرحلة التي تم تشخيص مرضه فيها، مؤكدة على النسبة المرتفعة للتعافي والنجاة من مرض السرطان في حالات التشخيص المكبرة.

من جانبه، تطرق السيد جايلز ديفيز، مدير قسم الجراحة بمستشفى كرومويل بالمملكة المتحدة إلى مرض سرطان الثدي بصورة خاصة، مبشراً بالأساليب المبتكرة التي من شأنها تطوير خدمات فعالة لفحص الثدي لدى النساء دون سن الخمسين. فيما تناول التحديات والحواجز التي تواجه عمليات الفحص، كالوصمة الاجتماعية من التشخيص الإيجابي، وقلة التوعية والتثقيف بأعراض المرض وأخطاره، إضافة إلى التوابع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لافتاً الانتباه إلى التأثير السلبي الذي قد تمثله قلة الإندماج بين القطاعات الخدمية المختلفة والمساهمة في خدمة مريض السرطان. واصفاً جميع الحواجز بأنها عالمية، لا تختلف حتى في جوانبها الثقافية بين دول الخليج والغرب.

وبعد فتح المجال للحاضرين لطرح أسئلتهم والاستماع للأجوبة من المتحدثين، أقيمت جلسة نقاشية عن مراجعة دلائل الكشف والفحص المبكر في تحسين علاج السرطان والنجاة من المرض أدارها الدكتور صالح العثمان من المركز الخليجي لمكافحة السرطان. ناقشت العوائق والعوامل التمكينية في دول مجلس التعاون الخليجي المختلفة، حيث شارك في الجلسة كل من الدكتور عبد الرحمن فخرو من جمعية البحرين لمكافحة السرطان، والدكتور طه اللواتي من الجمعية العمانية للسرطان، والبروفيسور سمر الحمود من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، والدكتورة إيمان التوحيد من جمعية الأورام الكويتية، والدكتور هادي أبو رشيد من الجمعية القطرية للسرطان، والدكتورة بثينة بن بليلة من وزارة الصحة ووقاية المجتمع بدولة الإمارات.

وخلال الجلسة الرابعة من المؤتمر، ناقشت مجموعة أخرى من المتخصصين الفرص والتحديات ذات الصلة بموضوع اليوم الثاني التي جاءت بعنوان “القبول المجتمعي للفحص والكشف المبكر عن السرطان”. حيث ابتدأت أعمال الجلسة الدكتورة أمنيات الهاجري، المدير التنفيذي لقطاع صحة المجتمع بدولة الإمارات، مستعرضةً التجربة الوطنية في مجال الكشف والفحص المبكر، فيما أعطت الدكتور عايدة العوضي، استشاري طب الأورام بمستشفى توام بمدينة العين، نظرةً عامة على مستويات الرعاية، تحدثت فيها عن الوقاية والكشف والتشخيص والعلاج لمرضى السرطان، والسبل الرامية لإبقاء المرضى على قيد الحياة.

وعبر جلسة مسجلة، شارك توماس هوفمارشر، مدير الأبحاث بالمعهد السويدي لعلم اقتصاد الصحة، التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في الفحص والكشف عن السرطان في منطقة الخليج. فيما ناقشت الدكتورة منال عليوة، المعالج الفني المعتمد، الجوانب النفسية والسلوكية في تطوير وعي ذاتي أفضل حول الصحة والسرطان، اعتماداً على برنامج علم الأورام النفسي القائم على التدخلات العلاجية بالفن، انطلاقاً من تجربتها كمؤسس ورئيس تنفيذي لمبادرة “آرت تو كير” في مصر، والتي قامت بمشاركة العديد من محاورها في تحسين الصحة النفسية العاطفية لمرضى السرطان في ورشة عمل خاصة في اليوم الأول من المؤتمر.

من جانبها، شاركت الدكتورة أسماء القصير، من كلية العلوم والمهن الصحية بجامعة الملك سعود بن العزيز بالمملكة العربية السعودية، الجوانب النفسية والاجتماعية المترتبة على وصمة العار المرتبطة في كثير من المجتمعات بالمصابين بمرضى السرطان، حيث ناقشت من واقع تجربتها المهنية الوضع الحالي والتحديات التي تواجه المؤسسات الصحية في دول مجلس التعاون الخليجي لحلول دون استمرار هذه الظاهرة السلبية.

وانتهت جلسات اليوم الثاني بحديث للأستاذ أليستير فراي، استشاري جراحة الفم والوجه والفكين بمستشفى كرومويل بالمملكة المتحدة، تطرق فيها إلى وسائل التشخيص المبكر لسرطان الفم، والأبحاث المتواصلة التي من شأنها العمل على تحسين النتائج، للوصول إلى رعاية صحية شاملة للمصابين بمرض سرطان الفم.

يذكر أن المؤتمر الخليجي المشترك للأورام، الذي تقام فعاليات اليوم الثالث منه في 23 نوفمبر الجاري، يعقد سنوياً في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث نظمته جمعية أصدقاء السرطان بالتعاون مع المركز الخليجي لمكافحة السرطان، والاتحاد الخليجي لمكافحة السرطان. مستضيفاً 50 متحدثاً من مختلف أنحاء العالم، وبمشاركة 500 خبير ومتخصص من الجهات الإقليمية الرائدة في مكافحة السرطان، شهدوا حضوراً بارزاً على مستوى وزراء الصحة من الدول الخليجية، والجمهورية اليمنية.

Leave a Comment