ناشرون خلال “مؤتمر الناشرين”: إتاحة الكتاب عالمياً عمل أخلاقي يبني جسور التواصل بين اللغات والثقافات

أكد عدد من الناشرين والوكلاء الأدبيين أن تنشيط حركة الترجمة وإتاحة الكتب عالمياً بكافة السبل ولمختلف القراء، هو عمل أخلاقي يسهم في تطوير حركة النشر، ويعزز من تمثيل مختلف أطراف صناعة الكتاب في العالم، ويخلق قاعدة واسعة للكتاب لدى كافة اللغات والثقافات، خاصة في ظل الثراء اللغوي الذي تتميز به أجزاء من العالم العربي، التي تمثل صلة وصل جغرافي وثقافي بين الحضارة الأوروبية الغربية ودول المشرق.

جاء ذلك ضمن الحوارات الرئيسية والجلسات النقاشية التي عقدت خلال فعاليات اليوم الثاني من الدورة 12 لمؤتمر الناشرين، الذي تنظمه هيئة الشارقة للكتاب على مدار ثلاثة أيام في الفترة من 30 أكتوبر وحتى 1 نوفمبر، قبل انطلاق الدورة الـ41 من معرض الشارقة الدولي للكتاب في مركز إكسبو الشارقة.

التمثيل والدمج في قطاع النشر

وفي لقاء حاورتها فيه كارين بانسا، نائبة رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين، أكدت بيرميندر مان، الرئيسة التنفيذية لـ”بونير بوكس” البريطانية، ضرورة أن يتبع الناشرون مبدأ التمثيل والدمج في قطاع النشر. وقالت: “إن السنوات الثلاث والأربع الماضية شهدت تنوعاً كبيراً في صناعة النشر، وأصبح هناك جمهور كبير من القراء، وانطلاقاً من كون النشر عملاً عالمياً أخلاقياً ومعرفياً فإننا نحرص على تزويد القراء بمحتوى أصيل مؤثر يستهدف مختلف الثقافات”. 

وأضافت مان: “نسعى إلى خدمة القراء بخلق بيئة قرائية ذات جودة عالية في المحتوى، وهذا يضع الناشرين أمام فرصة كبيرة  للتركيز على موضوع التحرير الاحترافي، وأن لا يتم إخراج الكتاب إلا بعد المرور على محررين محترفين يضعون خبراتهم التي تؤثر في استقبال الجمهور للكتاب، بشكل يحترم القارئ ويعطيه فرصة للاستمتاع بالقراءة”.

وتابعت مان: “أعتقد أننا اليوم نشهد وعياً عاماً بصناعة النشر، وهناك إقبالاً كبيراً على دخول عالم النشر والتوزيع، وهذا يدل على وعي مجتمعي موازٍ تجاه القراءة، فالتقنيات المتطورة خدمت القطاع بشكل كبير، وأنتجت فضاءات واسعة للنشر تجاوزت الكتاب الورقي، إلى تقنيات الصوت والصورة”.

وفي كلمتها التقديمية، أشارت كارين بانسا، إلى الفرص التي يحملها مؤتمر الناشرين لصناعة النشر، ودوره في تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين العاملين في القطاع، ووصفت بانسا تجربتها في التواصل مع النساء العاملات في مجال النشر، بقولها: “لقد كان من الملهم للغاية التحدث والاستماع إلى أصوات ناشرين من جميع أنحاء العالم، فهذه التجربة كانت مجزية لي بوصفي ناشرة، حيث اكتسبت الكثير من الخبرات والمعارف حول وجهات نظر الناشرين وتطلعاتهم وآمالهم في صناعة الكتاب”.

نشر متعدد اللغات

وتحت عنوان “الناشرون من شمال إفريقيا – نشر متعدد اللغات”، تحدث في  الجلسة الثانية  كل من طارق السليكي، مدير “السليكي إخوان” للنشر في المغرب، وحافظ بوجميل، مسؤول النشر في “سيريس” بتونس، وحسن بن نعمان، مدير “دار الأمة” في الجزائر، وأدارت الجلسة الكاتبة التونسية الدكتورة وفاء ثابت المزغني.

وفي حديثه عن التعدد اللغوي الذي تتميز به منطقة المغرب العربي بشكل عام، أكد طارق السليكي أن التعدد اللغوي يشكل ثراء ثقافياً ومصدر قوة وطاقة خلاقة في مسلسل تطور الأمة العربية في الشمال المغربي، وأسهم في انفتاحها على باقي الثقافات. وقال: “تعد اللغة أداة حضارية للفكر، والتعدد اللغوي الذي تتميز بها منطقة المغرب العربي أسهم في خلق فضاء للحوار مع  مختلف الحضارات الإنسانية”.

وأضاف: “هناك كتّاب مغاربة أبدعوا بعدة لغات، وهذا أثرى  حركة التأليف على مستوى المغرب العربي، ولكن التحدي الذي يواجه الكاتب العربي المغربي هو عدم الرواج في اللغات الأخرى، وهو تحدّ يواجه الكتاب العربي بشكل عام، ويحتاج إلى أن يتحلى الناشرون العرب بروح المغامرة لدخول أسواق جديدة، ومخاطبة ثقافات ولغات الأخرى، عن طريق تعزيز حركة الترجمة للكتاب العربي إلى اللغات العالمية”.

بيئة ثقافية متنوعة

من جهته، قال حافظ بوجميل: “مع تعلّم المغاربة للغة الفرنسية، تأسست بيئة ثقافية متنوعة في المغرب العربي، دعمها إدخال اللغة الفرنسية في المنهاج المدرسي، ومن خلال جيل أتقن اللغة الفرنسية والعربية، نشأ أعلام الفكر والثقافة العربية في المغرب العربي، الذين أثروا الثقافة العربية بإصدارات نوعت في خطابها بين اللغة العربية والفرنسية”.

وحول التحديات التي تواجه الكتاب المؤلَّف باللغة الفرنسية، أوضح حافظ: “ضيق السوق العالمية الناطقة بالفرنسية يمثل تحدياً كبيراً أمام الناشر والكاتب المغربي باللغة الفرنسية، وعلى المستوى العربي أيضاً هناك تراجع في استخدام الفرنسية، ومن هنا أرى أن يتم ترجمة الفكر العربي المكتوب بالفرنسية إلى مختلف فنون الإبداع التي تمثل سبيلاً لوصول حصيلة تلك الإنتاجات المعرفية للجمهور بشتى أنواع الفنون الإبداعية كالمسرح والغناء والتمثيل”.

 همزة وصل بين المغرب والمشرق

من ناحيته، أشار حسن بن نعمان إلى أن المغرب العربي كان عبر التاريخ همزة وصل بين العالم العربي والثقافة الأوروبية، كما مثَّل بوابة إلى القارة الأفريقية، ولكن مع التعدد اللغوي الذي يميز منطقة المغرب العربي، تبقى اللغة العربية هي لغة الهوية التي يمتلكها شعوب المغرب العربي، وأما اللغات الأخرى فهي تمثل ثراء ثقافياً ترتبط به مع جذورها التاريخية.

وحول أهمية الكتاب الأكاديمي للناشر المغربي، قال حسن: “يتميز الكتاب الأكاديمي الذي يؤلَّف في دول المغرب العربي بالمزج بين الفكر الغربي الأوروبي والشرقي العربي، وبالنسبة للجزائر بالتحديد، هناك فرصة أمام الناشر لإصدار الكتب الداعمة للمناهج الدراسية، والتي أثبتت حضورها لدى الطلاب الذين يرغبون بها لتكون مساعداً لهم في مسيرتهم الدراسية، وهو ما خلق أسواقاً ربحية في ما يسمى بالكتاب شبه المدرسي”.

Leave a Comment